قولي لشمسك لا تغيبي
وتكبدي فلك القلوب
بغداد يا وطن الجهاد
ومرضع الأدب الخصيب
غناك دجلة والفرات
قصائد الزمن العجيب
رقصت قوافيها على
نغم البشائر والحروب
أعراس " دارا " من مقاطعها
وخيبة سنحريب
حتى إذا طلع الرشيد
وماج في الأفق الرحيب
صهر القرون وصاغها
تاجاً لمفرقك الحبيب
أسد العراق ، وما الرياح
الهوج طاغية الهبوب
أمضى وأنفذ منك ،إذ
تثبين للأمر العصيب
قلمت أظفار الزمان
ورعت داهية الخطوب
وبنيت بالقلم الحليم
وبالمهندة الغضوب
مجداً تنقل في العلى
بين الأشعة والطيوب
بغداد يا شغف الجمال
وملعب الغزل الطروب
بنت المكارم للعروبة فيك
جامعة القلوب
بيت من الأخلاق ضاقت
عنه أخلاق الشعوب
وسع الديانات السماح
وضم أشتات الندوب
زفرات أحمد في رسالته
وآلام الصليب
بغداد ما حمل السرى
مني ، سوى شبح مريب
جفلت له الصحراء والتفت
الكثيب إلى الكثيب
وتنصتت زمر الجنادب
من فويهات الثقوب
يتساءلون ، وقد رأوا
قيس الملوح في شحوبي
والتمتمات على الشفاه
مضرجات بالنسيب
تبكي لها قبل الصبا
ويذوب فيها كل طيب
يتساءلون : من الفتى العربي
في الزي الغريب ؟ ..
***
صحراء يا بنت السماء البكر
والوحي الخصيب
أنا لو ذكرت ، ذكرت أحلامي
وأنغامي وكوبي
إحدى الشموع الذائبات
أمام هيكلك الرهيب
أنا دمعة الأدب الحزين
رسالة الألم المذيب
من قلب لبنان الكئيب
لقلب بغداد الكئيب
***
لبيك نابغة العراق
وحجة الشرق القريب
لبيك معجزة البيان
الحر والقلم الخصيب
حجاج روحك ، وهي ملء
الكون ، تقذف باللهيب
تخبو الشموس وتنطفي
وتظل نامية الشبوب
حلم سفكت دم الشباب
فدى لمبسمه الشنيب
حب الخلود ، وكم أريق
عليه من جفن سكيب
لولاه لم تلد الطروس
الحمر إكليل الأديب
***
آليت أقتحم الجحيم
على جواد من ذنوبي
فأغوص في الأبدية الخرساء
والأزل القطوب
أتلمس الأشباح والأرواح
من خلل الحقوب
حتى إذا انكشف الجحيم
يئز بالضرم الصخوب
سكنت ثائرة الضلوع
وكاد يصرعني وجيي ..
وسألت عن " دانني " وعن
شيخ المعرة ذي الريوب :
أحقيقة عرفا لظى ؟ ..
أم وصف مبتدع نجيب
" لجميل ليلى " فيه ما شاء
التفنن من ضروب
صور ملونة الجناح
على مخيلة خلوب ..
آليت اقتحم الجحيم
على جواد من ذنوبي
آليت .. لكني ارعويت
وقلت : يا نفسي اهدئي بي
مهما سما عقل الحكيم
يزل عن حجب الغيوب
***
يا فيلسوف العرب ، والأيام
كالحة النيوب
هلا ذكرت لنا العراق
ومجد غابره الذهيب
يفتر عن مثل ابن سينا
والنواسي الأريب
إرث وهبت له الصبا
وسقيته دمع المشيب
ونشرت أنجمه، على بغداد
من كفن المغيب
شيخ القريض، أبا الرصين
الجزل والمرح اللعوب
ما زلت ألمحها ، على لبنان ،
طافرة الوثوب
من معصم النبع الدفيق
لمعطف الغصن الرطيب ...
***
وأخو الوفا ، لبنان ، يرفل
منه في الثوب القشيب
هو والعراق الحر : مهد
هوى وأيكة عندليب
فجران من مزن السماء
ووردتان على قضيب